الولاية في الكتاب والسنة
الولاية درجة رفيعة يختص الله بها من يشاء ويحب من عباده , وأولياء الله هم من يخلصون العمل له عز وجل ويتابعون الرسول صلى الله عليه وسلم في الدقيق والجليل, عن يونس بن عبد الأعلى أنه قال للشافعي أتدري ما قال صاحبنا يعني الليث بن سعد ؟ قال : لو رأيت صاحب هوى يمشي على الماء فلا تغتر به . فقال الشافعي : لقد قصر الليث لو رأيت صاحب هوى يطير في الهواء فلا تغتر به؛ وتكلمت بهذا ونحوه بكلام بعد عهدي به . ابن الجوزي : تلبيس إبليس 16.
وقال البسطامي : لَوْ رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ أَوْ يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ فَلَا تَغْتَرُّوا بِهِ حَتَّى تَنْظُرُوا وُقُوفَهُ عِنْدَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ . مجموع فتاوى شيخ الإسلام (1/83).
فالمعيار الذي تعرف به صحة الولاية ، هو أن يكون عاملاً بكتاب الله سبحانه وبسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم - مؤثراً لهما على كل شيء ، مقدماً لهما في إصداره وإيراده ، وفي كل شؤونه ،فإذا زاغ عنهما زاغت عنه ولايته .
وبذلك نعلم أن طريق الولاية الشرعي ليس سوى محبة الله وطاعته وإتباع رسوله صلى الله عليه وسلم وأن كل من ادعي ولاية الله ومحبته بغير هذا الطريق ، فهو كاذب في دعواه .
ولقد تحدث القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة عن الولاية وعن صفات أولياء الله تعالى وخصائصهم التي اختصهم الله تعالى يها , فمن هذه الصفات :
1- أنهم أهل التقوى والأمن والبشرى :
قال سبحانه وتعالى : \" أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) سورة يونس .
فقد ذكر الله في هذه الآيات أن أولياء الله هم أهل الأمن والسكينة , وأنهم قد نالوا هذه الدرجة بتقواهم وخشيتهم لربهم , لذا فقد استحقوا البشرى بالفوز والنجاة والفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في \"تفسير القرآن العظيم\" (4/278): \" يخبر تعالى أن أولياءه هم الذين آمنوا وكانوا يتقون ، كما فسرهم ربهم ، فكل من كان تقيا كان لله وليا : أنه ( لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) فيما يستقبلون من أهوال القيامة ، ( وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) على ما وراءهم في الدنيا.
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمًا إِلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَوَجَدَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَاعِدًا عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَبْكِي ، فَقَالَ : مَا يُبْكِيكَ ؟ قَالَ : يُبْكِينِي شَيْءٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:إِنَّ يَسِيرَ الرِّيَاءِ شِرْكٌ ، وَإِنَّ مَنْ عَادَى ِللهِ وَلِيًّا ، فَقَدْ بَارَزَ اللهَ بِالْمُحَارَبَةِ ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الأَبْرَارَ الأَتْقِيَاءَ الأَخْفِيَاءَ ، الَّذِينَ إِذَا غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا ، وَإِنْ حَضَرُوا لَمْ يُدْعَوْا وَلَمْ يُعْرَفُوا ، قُلُوبُهُمْ مَصَابِيحُ الْهُدَى ، يَخْرُجُونَ مِنْ كُلِّ غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٍ.
أخرجه ابن ماجة (3989) .
فأولياء الله تعالى هم أصحاب النفوس المطمئنة التي ترضي بما قسم الله تعالى , كما ترضى بالقضاء والقدر , عن الشافعي رحمه الله قال خير الدنيا والآخرة في خمس خصال غنى النفس وكف الأذى وكسب الحلال ولباس التقوى والثقة بالله عز وجل على كل حال.
وعن الشافعي رحمه الله تعالى قال من غلبت عليه شدة الشهوة لحب الدنيا لزمته العبودية لأهلها ومن رضي بالقنوع زال عنه الخضوع.
وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه من أحب أن يفتح الله قلبه ويرزقه العلم فعليه بالخلوة وقلة الأكل وترك مخالطة السفهاء وبعض أهل العلم الذين ليس معهم إنصاف ولا أدب. بستان العارفين للنووي 18.
2- أنهم أهل إحسان الظن بالله :
فأولياء الله هم أهل الرجاء وإحسان الظن بالله تعالى , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ، يَقُولُ: لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ. أخرجه أحمد 3/325(14535) و\"مسلم\" 8/165(7333).
قال الشاعر :
ما عدت أطلب إلا حسن خاتمتي * * * وأسأل الله غفرانا إذا سمحا
وأن يكفر عني السيئات وأن * * * يظل صدري بالإيمان منشرحا
3- أنهم أهل السبق بالخيرات والصالحات :
كما ذكر الله تعالى أقسام أهل ولايته ممن اصطفاهم لوراثة كتابه الكريم فقال : \" ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35) سورة فاطر .
فقد ذكر الله تعالى ثلاث درجات من أقسام الولاة وهم :
1- درجة الظالم لنفسه: وهو المؤمن العاصي، فهذا له من الولاية بقدر إيمانه وأعماله الصالحة.
2- المقتصد: وهو المؤمن الذي يحافظ على أوامر الله، ويجتنب معاصيه، ولكنه لا يجتهد في أداء النوافل: وهذا أعلى درجة في الولاية من سابقه.
3- السابق بالخيرات: وهو الذي يأتي بالنوافل مع الفرائض، ويبلغ بالعبادات القلبية لله - عز وجل - مبالغ عالية، فهذا في درجات الولاية العالية.
4- أنهم أهل التقرب إلى الله بما يحب :
وذكر النبي صلى الله عليه وسلم درجات الولاية وصفات الولاة في بعض أحاديثه والتي منها ما رواه البخاري عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عبدي بشيء أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عبدي يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِى يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِى يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِى لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِى لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شيء أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِى عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ.أخرجه البخاري 8/131(6502).
عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُسْرٍ يَقُولُ: جَاءَ أَعْرَابِيَّانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَحَدُهُمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ النَّاسِ خَيْرٌ قَالَ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ وَقَالَ الآخَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَىَّ فَمُرْنِى بِأَمْرٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ فَقَالَ لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.أخرجه أحمد 4/188(17832).
قال سعيد بن المسيب رحمه الله :إن الرجل ليصلي بالليل ، فيجعل الله في وجه نورا يحبه عليه كل مسلم ، فيراه من لم يره قط فيقول : إن لأحبُ هذا الرجل !! ..
قيل للحسن البصري رحمه الله :ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجوها ؟ فقال لأنهم خلو بالرحمن فألبسهم من نوره .
قال الشاعر :
لله قوم أخلصوا في حبه * * * فأختصهم ورضى بهم خداماَ
قوم إذا هجم الظلام عليهم * * * قاموا فكانوا سجدا و قياما
يتلذذون بذكره في ليلهم * * * ونهارهم لا يفترون صياما
فسيفرحون بورد حوض محمدٍ * * * و سيسكنون من الجنان خياما
وسيغنمون عراسا بعراسِ * * * ويبوءون من الجنان مكانا
وتقر أعينهم بما أخفى لهم * * * وسيسمعون من الجليل سلاما
5- أنهم هم الذين إذا رؤوا ذكر الله :
عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الأَنْصَارِيَّةِ . قالت: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ ؟ قَالُوا: بَلَى , قال : فَخِيَارُكُمُ الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ الله تَعَالَى أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ ؟ قَالُوا: بَلَى , قال : فَشِرَارُكُمُ الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ ، الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ ، الْبَاغُونَ البُرَآءَ الْعَنَتَ. أخرجه أحمد 6/ 459 و\"البُخَارِي\" في (الأدب المفرد) (323).
والطبقة العليا من المؤمنين بعد الأنبياء بالنسبة إلى البشر والجن هم الأولياء ثم سائر المؤمنين , وأكبر الأولياء في البشر وأعلاهم درجة هم أولياء الصحابة الذين تذكرك رؤيتهم وتنبئك سيرهم بالله تعالى , وهم الذين عناهم الله بقوله في سورة براءة فقال عز من قائل : \" وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) سورة التوبة .
5- أنهم المتحابون في الله تعالى:
عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ لأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ ، وَلاَ شُهَدَاءَ ، يَغْبِطُهُمُ الأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، بِمَكَانِهِمْ مِنَ اللهِ ، تَعَالَى ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ ؟ قَالَ : هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللهِ ، عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ ، وَلاَ أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا ، فَوَاللهِ ، إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ ، وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ ، لاَ يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ ، وَلاَ يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ ، وَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ : \"أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ\". أخرجه أبو داود (3527) وصححه الألباني في \"السلسلة الصحيحة\" (7/1369) .
سئل أحمد بن حنبل الدعاء لمُقْعَدَةٍ فقال : نحن أحوج إلى الدعاء ، ثم دخل فدعا لها ، فلما ذهب السائل إلى المرأة ، دق عليها الباب ، فخرجت برجليها وفتحت ، فقالت : قد وهب الله -تعالى- العافية .!
احترق بيتُ بما فيه ، فلم يسلم من الحريق إلا ثوب أحمد بن حنبل ، فنظروا فإذا هو على السرير ، والنار قد أكلت ما حوله ولم تتعرض له .!
6- أنهم هم الذين يحرصون على الحلال :
فأولياء الله يتميزون عن باقي الناس بحرصهم وورعهم في طعامهم وشرابهم ,فأما طعامهم فهو الحلال فهم لا يأكلون الحرام لا ربا ولا رشوة ولا سحتا ولا زورا، إن أولياء الله يتحرون الحلال، عَنْ طَرِيفٍ أَبِي تَمِيمَةَ ، قَالَ : شَهِدْتُ صَفْوَانَ وَجُنْدَُبًا وَأَصْحَابَهُ ، وَهُوَ يُوصِيهِمْ ، فَقَالُوا : هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا ؟ قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنْ الإِنْسَانِ بَطْنُهُ ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ إِلاَّ طَيِّبًا فَلْيَفْعَلْ ، وَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ بِمِلْءِ كَفِّهِ مِنْ دَمٍ أَهْرَاقَهُ فَلْيَفْعَلْ.أخرجه البُخَارِي 9/80(7152) .
قال سعد: يا رسول الله أريد أن أكون مستجاب الدعوة، قال: اطعم مطعمك تكن مستجاب الدعوة، وقال صلى الله عليه وسلم : اللهم أجب دعوته وسدد رميته، فكان سعد الذي يتحرى الحلال لا يرفع يديه إلا أجاب الله دعوته وكان مسدد الرمي ومسدد الدعوة.
ومما يدلل على هذه الولاية ما روي عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : شَكَا أَهْلُ الْكُوفَةِ سَعْدًا إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَزَلَهُ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَمَّارًا , فَشَكَوْا حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ يُصَلِّي , فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ : يَا أَبَا إِسْحَاقَ ! إِنَّ هَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لَا تُحْسِنُ تُصَلِّي! قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ : أَمَّا أَنَا وَاللَّهِ فَإِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَخْرِمُ عَنْهَا , أُصَلِّي صَلَاةَ الْعِشَاءِ فَأَرْكُدُ فِي الْأُولَيَيْنِ , وَأُخِفُّ فِي الْأُخْرَيَيْنِ . قَالَ : ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ , فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَجُلًا أَوْ رِجَالًا إِلَى الْكُوفَةِ , فَسَأَلَ عَنْهُ أَهْلَ الْكُوفَةِ وَلَمْ يَدَعْ مَسْجِدًا إِلَّا سَأَلَ عَنْهُ , وَيُثْنُونَ مَعْرُوفًا , حَتَّى دَخَلَ مَسْجِدًا لِبَنِي عَبْسٍ ؛ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أُسَامَةُ بْنُ قَتَادَةَ - يُكْنَى أَبَا سَعْدَةَ - قَالَ : أَمَّا إِذْ نَشَدْتَنَا فَإِنَّ سَعْدًا كَانَ لَا يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ , وَلَا يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ , وَلَا يَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ . قَالَ سَعْدٌ : أَمَا وَاللَّهِ لَأَدْعُوَنَّ بِثَلَاثٍ : اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً , فَأَطِلْ عُمْرَهُ , وَأَطِلْ فَقْرَهُ , وَعَرِّضْهُ بِالْفِتَنِ , وَكَانَ بَعْدُ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ : شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ , أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ . قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ : فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنْ الْكِبَرِ , وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ . رواه البخاري (755) مسلم (453).
7- أنهم هم الذين يكفون ألسنتهم عن الناس :
وأولياء الله هم من يكفون ألسنتهم عن أذى الناس ويبكون على خطاياهم وتسعهم بيوتهم , عنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ، قَالَ:لَقِيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ لِي : يَا عُقْبَةُ بْنَ عَامِرٍ : صِلْ مَنْ قَطَعَكَ ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ ، وَاعْفُ عَمًّنْ ظَلَمَكَ. قَالَ : ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ لِي : يَا عُقْبَةُ بْنَ عَامِرٍ ، امْلِكْ لِسَانَكَ ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ. أخرجه أحمد 4/158(17589 الألباني : الصحيحة ( 888 ).
قال الشاعر :
إنَّ للَّهِ عِبَاداً فُطَنَا * * * تَرَكُوا الدُّنْيَا وَخَافُوا الفِتَنَا
نظروا فيها فلما علموا * * * أنها ليست لحيٍّ وطنا
جعَلُوهَا لُجَّة ً وَاتَّخَذوا * * * صالحَ الأعمالِ فيها سفنا
جعلنا الله تعالى ممن يدخلهم في رحمته ويمن عليهم بالفوز برضاه ومحبته , وبالنعيم في الفردوس الأعلى في جنته.
للدكتور. بدر عبد الحميد هميسه