مرض السكري هو متلازمة ( مجموعة من الأعراض ) تتميز بتمثيل غذائي مضطرب و ارتفاع غير طبيعي في مستوى سكر الدم ناتج عن انخفاض مستويات هرمون الإنسولين في الدم مع آو بدون وجود مقاومة مضادة لمفعول الإنسولين.
الأعراض المميزة لهذا المرض :· زيادة في إنتاج البول بسبب ارتفاع مستويات جلوكوز الدم.
· زيادة الإحساس بالعطش و تنتج عنها زيادة تناول السوائل لمحاولة تعويض زيادة التبول.
· ضعف البصر بسبب تأثيرات الجلوكوز الزائد في الدم على العين.
· فقدان وزن دون مبرر و ضعف عام ( خمول ).
و تقل حدة هذه الأعراض إذا كان مستوى جلوكوز الدم مرتفع قليلآ أي إنه هناك تناسب طردي بين هذه الأعراض و مستوى جلوكوز الدم.
يُصنف مرض البول السكري من قِبل منظمة الصحة العالمية إلى ثلاثة أنواع رئيسية و هي النوع الأول و النوع الثاني و سكري الحوامل . و كل نوع له أسباب و أماكن انتشار في العالم. و لكن تتفق كل أنواع البول السكري على إن سببها هو عدم إنتاج كمية كافية من الإنسولين بواسطة الخلايا باء في البنكرياس و لكن أسباب عجز هذه الخلايا عن ذلك تختلف باختلاف النوع فسبب عجز الخلايا باء عن إفراز الإنسولين الكافي في النوع الأول يرجع إلى قيام مناعة الجسم بتدمير هذه الخلايا في البنكرياس ( مناعة ذاتية ). بينما يرجع هذا السبب في النوع الثاني إلى وجود مقاومة مضادة للإنسولين في الأنسجة التي يعمل عليها أي إن هذه الأنسجة لا تستجيب لمفعول الإنسولين و هذا يؤدي إلى الحاجة لكميات مرتفعة فوق المستوى الطبيعي للإنسولين و لذلك تظهر أعراض البول السكري عندما لا تستطيع الخلايا باء تلبية هذه الحاجة. أما سكري الحوامل فهو مماثل للنوع الثاني من حيث أن سببه أيضاً يتضمن مقاومة ضد الإنسولين لأن الهرمونات التي تُفرز أثناء فترة الحمل يمكن أن تسبب مقاومة ضد الإنسولين في النساء المهيئات جينياً لذلك.
و لقد وجدت دراسة أُجريت في الولايات المتحدة عام 2008 أن العديد من النساء الأمريكيات يعانون من السكري أثناء الحمل و في الحقيقة أن معدل الإصابة بسكري الحوامل أزداد إلى أكثر من الضعف في السنوات الست الأخيرة و هذا يُسبب مشكلات كثيرة لأن السكري يزيد من مخاطر التعرض للمضاعفات خلال فترة الحمل و كذلك يزيد احتمال أن الطفل المولود لأم عانت من سكري الحوامل يمكن أن يصاب بنفس المرض في المستقبل.
و بينما تُشفى الأم الحامل بمجرد وضع الطفل في النوع الثالث إلا أن النوعين الأول و الثاني يلازمان المريض. و أمكن علاج جميع أنواع السكري منذ أن أصبح الإنسولين متاحاً طبياً عام 1921.
و يُعالج النوع الأول – الذي فيه لا يفرز البنكرياس الإنسولين – مباشرة عن طريق حقن الإنسولين بالإضافة إلى ضبط نمط الحياة و النظام الغذائي. و يمكن علاج النوع الثاني بالمزج بين ضبط التغذية و تناول الأقراص و الحقن و في بعض الأحيان الحقن بالإنسولين. و بينما كان الإنسولين يُنتج في الماضي من مصادر طبيعية مثل بنكرياس الخنزير ، إلا أن معظم الإنسولين المُستخدم حالياً يُنتج عن طريق الهندسة الجينية. أما عن طريق الاستنساخ المباشر من الإنسولين البشري أو إنسولين بشري معدل لكي يعطي سرعة و فترة تأثير مختلفة. و يمكن زرع جهاز مُخصص لضخ الإنسولين باستمرار تحت الجلد عن طريق قسطرة متغيرة.
يمكن لمرض السكري أن يسبب العديد من المضاعفات – و هي مضاعفات قصيرة آو طويلة المدى – فالمضاعفات قصيرة المدى هي انخفاض مستوى سكر الدم ، تحمض الدم الكيتوني أو غيبوبة لا كيتونية بسبب ارتفاع الضغط الإسموزي للدم. و تحدث هذه المضاعفات إذا كان المريض لا يلقى العناية الكافية. أما المضاعفات الخطيرة طويلة المدى فتتضمن أمراض الجهاز الدوري ( مرض قلبي وعائي ، احتمال الإصابة به مُضاعف ) ، فشل كلوي مزمن ، تلف الشبكية الذي يمكنه أن يؤدي للعمى ، تلف الأعصاب و له أنواع كثيرة ، تلف الشعيرات الدموية الذي يمكن أن يؤدي للعقم و بطئ التئام الجروح. و يمكن أن يؤدي بطئ التئام الجروح – خصوصاً جروح القدمين – إلى الغرغرينة التي يمكن أن تؤدي للبتر.
فيمكن للرعاية الكافية للمرض بالإضافة إلى التأكد من التحكم في ضغط الدم و كذلك العوامل التي تؤثر في أسلوب حياتنا بالإيجاب مثل التوقف عن التدخين و الحفاظ على قوام رشيق أن تقلل من مخاطر المضاعفات التي سبق ذكرها. و يُعتبر مرض السكري أهم مسبب للعمى بالنسبة للبالغين غير المسنين في العالم المتقدم و هو السبب الأول لبتر الأطراف بدون وجود إصابة فيها بالنسبة للبالغين أيضاً و كذلك فإن الفشل الكلوي السكري هو العلة الرئيسية التي تتطلب غسيل كلوي في الولايات المتحدة.
يشير مصطلح السكري عموماً و بدون تحديدات إلى مرض البول السكري الذي يتميز بزيادة البول سكري الطعم و لكن يوجد حالات نادرة أخرى تسمى سكري و أكثر هذه الحالات شيوعاً هي السكري الماسخ ( يُعرف في بعض الأماكن باسم الكاذب ) و فيه لا يكون طعم البول حلواً أو سكرياً و يمكن أن يكون سببه تلف في الكلية أو الغدة النخامية.
و يُعرف النوعين الرئيسيين المسببين لمرض البول السكري بالنوع الأول و النوع الثاني. و قد حل مصطلح النوع الأول من البول السكري العديد من المصطلحات السابقة مثل سكري الأطفال أو السكري المعتمد على الإنسولين و بالمثل حل مصطلح النوع الثاني محل مصطلحات مثل سكري البالغين أو السكري المرتبط بالبدانة أو السكري الغير معتمد على الإنسولين و بخلاف هذين النوعين لا يوجد نظام تسمية قياسية متفق عليه لبقية الأنواع فمثلاً تسمي بعض الجهات النوع الثالث من البول السكري بسكري الحوامل ، و كذلك يوجد نوع آخر يُسمى النوع الأول من البول السكري المقاوم للإنسولين ( أو السكري المُضاعف ) و هو في الواقع النوع الثاني من البول السكري قد تطور فأصبح المريض بحاجة لحقن الإنسولين. و يوجد نوع يُسمى سكري البالغين الذي تسببه مناعة ذاتية كامنة ( أو النوع واحد و نصف ). و يوجد أيضاً سكري النضوج الذي يصيب المريض قبل بلوغه سن الثلاثين و هو عبارة عن مجموعة من الاضطرابات الجينية الفردية مصحوبة بسوابق عائلية قوية في الإصابة بمرض النوع الثاني من البول السكري.
يتميز النوع الأول من البول السكري بخسارة الخلايا باء المنتجة للإنسولين في خلايا لانجرهانز بالبنكرياس مما يؤدي إلى نقص الإنسولين. و السبب الرئيسي لهذه الخسارة هو مناعة ذاتية تتميز بهجوم الخلايا تاء المناعية على خلايا باء المنتجة للإنسولين. و لا توجد وسيلة للوقاية من الإصابة بالنوع الأول من البول السكري الذي يمثل 10% من حالات مرضى السكري في أمريكا الشمالية و أوروبا ( مع اختلاف التوزيع الجغرافي ) و معظم المصابون بالمرض كانوا أما بصحة جيدة أو ذي أوزان مثالية عندما بدأت أعراض المرض بالظهور. و تكون استجابتهم لمفعول الإنسولين عادية ( لا توجد مقاومة ) خصوصاً في المراحل الأولى. يمكن للنوع الأول أن يصيب الأطفال أو البالغين و لكنه معروف تقليدياً بسكري الأطفال لأن معظم المصابون به من الأطفال.
و يُعالج النوع الأول بصورة أساسية – حتى أثناء المراحل الأولى – بحقن الإنسولين مع المراقبة المستمرة لمستويات جلوكوز الدم. و يمكن أن يصاب المريض الذي لا يتعاطى الإنسولين بتحمض الدم الكيتوني الذي يؤدي إلى غيبوبة أو الوفاة. و يجب التأكيد على المريض بأن يضبط نمط حياته خصوصاً فيما يتعلق بالتغذية و النشاط البدني على الرغم من أن كل ذلك لا يمكنه أن يعوض خسارة الخلايا باء. و بعيداً عن الاستخدام التقليدي لحقن الإنسولين تحت الجلد ، يمكن توصيل الإنسولين للدم عن طريق مضخة – يمكنها تسريب الإنسولين على مدار اليوم و بمستويات معينة – كما يمكن التحكم في الجرعات ( مثل إعطاء جرعة كبيرة ) – حسب الحاجة – في أوقات الوجبات. كما كان يوجد أيضاً نوع من الإنسولين يمكن استنشاقه يسمى " اكسوبيرا " الذي اعتمدته وكالة العقار الأمريكية FDA في يناير 2006 و لكن شركة فايزر أوقفت إنتاجه في أكتوبر 2007.
و يستمر علاج النوع الأول من البول السكري بلا نهاية. و لا يؤثر العلاج بصورة كبيرة على الأنشطة الحياتية للمريض إذا كان هناك تعود و وعي و رعاية سليمة و كذلك انتظام في أخذ الجرعات و قياس مستوى جلوكوز الدم. و لأن اتباع العلاج يكون ثقيلاً على المرضى ، فإن الإنسولين يُؤخد بطريقة غير سوية و بعيدة كل البعد عن النظام المفترض. و يجب أن يكون متوسط مستوى جلوكوز الدم بالنسبة للنوع الأول قريباً قدر الإمكان من المستوى الطبيعي الآمن ( 80 – 120 مليجرام / ديسيلتر أو 4 – 6 مليمول / لتر ) و يرجح بعض الأطباء أن يكون مستوى جلوكوز الدم 140 – 150 مليجرام / ديسيلتر ( 7 – 7,5 مليمول / لتر ) للمرضى الذين يعانون إذا كان مستوى جلوكوز الدم منخفضا لديهم ( يحدث لهم انخفاض متكرر في مستوى جلوكوز الدم ). أما المستويات الأعلى من 200 مليجرام / ديسيلتر ( 10 مليمول / لتر ) يصاحبها في بعض الأحيان عدم راحة و تبول متكرر يؤدي إلى جفاف. و المستويات الأعلى من 300 مليجرام / ديسيلتر ( 15 مليمول / لتر ) تتطلب عادة العلاج لأنها يمكنها أن تؤدي لتحمض الدم الكيتوني لكنها لا تهدد حياة المريض على أي حال. أما المستويات المنخفضة لجلوكوز الدم فيمكنها أن تسبب تشنجات أو فترات من فقد الوعي و من الضروري و بشدة علاجها في الحال.
يتميز النوع الثاني من البول السكري باختلافه عن النوع الأول من حيث وجود مقاومة مضادة لمفعول الإنسولين بالإضافة إلى قلة إفراز الإنسولين. و لا تستجيب مستقبلات الإنسولين الموجودة في الأغلفة الخلوية لمختلف أنسجة الجسم بصورة صحيحة للإنسولين. و في المراحل الأولى تكون مقاومة الإنسولين هي الشذوذ الطاغي في استجابة الأنسجة للإنسولين و مصحوبة بارتفاع مستويات إنسولين في الدم. و في هذه المرحلة يمكن تقليل مستوى جلوكوز الدم عن طريق وسائل و أدوية تزيد من فاعلية الإنسولين و تقلل إنتاج الجلوكوز من الكبد. و كلما تطور المرض تقل كفاءة إفراز الإنسولين من البنكرياس و تصبح هناك حاجة لحقن الإنسولين.
و توجد العديد من النظريات التي تحاول تحديد سبب و آلية الإصابة بالنوع الثاني من البول السكري. و من المعروف أن الكرش ( الدهون التي تتركز حول الوسط على الأعضاء داخل البطن و ليس الدهون تحت الجلد ) تؤدي إلى مقاومة الإنسولين. و تنشط الدهون هرمونياً و تفرز مجموعة من الهرمونات التي تقلل من فاعلية الإنسولين. و يعاني من السمنة 55 % من المرضى المصابين بالنوع الثاني من البول السكري. و توجد عوامل أخرى مثل التقدم بالعمر ( حوالي 20 % من المسنين يعانون من البول السكري في أمريكا الشمالية ) و تاريخ العائلة ( يشيع النوع الثاني أكثر في الأفراد الذين لديهم أقارب عانوا منه سابقاً ) و قد بدأ النوع الثاني بإصابة الأطفال و المراهقين بإضطراد في العقد السابق و ربما يرجع ذلك إلى انتشار سمنة الأطفال في بعض الأماكن في العالم.
و يمكن أن يستمر النوع الثاني بدون ملاحظة المريض لفترة طويلة بسبب ضعف ظهور الأعراض أو بسبب عدم وضوحها أو اعتبارها مجرد حالات فردية عابرة لا توحي بوجود مرض. و عادة لا يعاني المريض من تحمض الدم الكيتوني. و لكن يمكن أن تنتج مضاعفات خطيرة من عدم ملاحظة المرض مثل الفشل الكلوي الناتج عن اعتلال الكلى السكري أو مرض وعائي ( مثل مرض في الشريان التاجي ) أو مرض في العين ناتج عن اعتلال الشبكية السكري أو فقد الإحساس بالألم بسبب اعتلال الأعصاب السكري أو تلف الكبد ناتج عن التهاب كبدي دهني لا كحولي ( أي أن سببه ليس شرب الكحوليات كما يحدث في العادة ).
و يبدأ علاج النوع الثاني عادة عن طريق زيادة النشاط البدني و تقليل تناول النشويات و تقليل الوزن. و يمكن لهذه الإجراءات أن تستعيد فاعلية الإنسولين حتى لو كان فقد الوزن قليلاً ( 5 كيلوجرامات على سبيل المثال ) خصوصاً لو كان من منطقة الكرش و يمكن في بعض الحالات التحكم في مستوى جلوكوز الدم بصورة جيدة بواسطة هذه الإجراءات فقط و لفترة طويلة و لكن ميل الجسم لمقاومة الإنسولين لا ينتهي و لذلك يجب الانتباه إلى مواصلة النشاط البدني و فقد الوزن والحفاظ على تغذية مناسبة للمرض. و تكون الخطوة التالية من العلاج عادة هي تناول الأقراص المخفضة للسكر. و يضعف إنتاج الإنسولين إلى حد ما في بداية النوع الثاني من البول السكري و لذلك يمكن تعاطي دواء فمي ( يُستعمل في العديد من الوصفات الطبية التي تحتوي على مجموعة من الأدوية ) لتحسين إنتاج الإنسولين ( عائلة السلفونيل يوريا ) أو لتنظيم الإفراز غير المناسب للجلوكوز من الكبد و لإضعاف مقاومة الأنسولين إلى حد ما ( الميتفورمين ) أو لإضعاف مقاومة الإنسولين بصورة كبيرة ( مثل الثيازوليدينديونات ). و قد وجدت إحدى الدراسات أن بمقارنة المرضى البدناء الذين يتعاطون الميتفورمين بأولئك الذين يعتمدون على ضبط التغذية فقط فإن تعاطي الميتفورمين يقلل احتمال إصابة بمضاعفات خطيرة بنسبة 32% و يقل احتمال الموت بسبب مرض البول السكري بنسبة 42% بل و تقل لديهم احتمال الوفاة أو الإصابة بالسكتة الدماغية لأي سبب بنسبة 36%. و يمكن للدواء الفمي أن يفشل في النهاية بسبب الضعف المتواصل لإفراز الإنسولين من الخلايا باء و عند الوصول لهذه المرحلة يجب تعاطي حقن الإنسولين للتحكم في جلوكوز الدم.
الموضوع الاصلي
من اوائل البرامج