بالرغم من أن الأمومة من أكثر الغرائز رقياً ، إلا أنها تحولت في بعض الدول إلى سلعة منحطة استغلها معدومي الضمير للمتاجرة والربح ، لتظهر تجارة من نوع جديد "تأجير الأرحام" والتي أصبحت من أحد مظاهر تداعيات الفقر في بعض الدول النامية.
ويقدر عدد السيدات اللآتي يؤجرن أرحامهن إلى أكثر من 600 سيدة سنوياً ، ومعظم هذه العمليات تتم لأسر من الولايات المتحدة وأوروبا وسنغافورة حيث تصل تكلفة هذه العملية هناك 50 ألف دولار بينما لا تتعدى 10 آلاف دولار في الهند ، في حين تحظر الصين وفرنسا وألمانيا واليابان الاستعانة بالرحم البديل .
ولكن هذه التجارة تزدهر وبشكل ملحوظ في الهند حيث أثار مشروع مدينة "أناند" الهندية الذي يتم من خلاله تأجير أرحام النساء لاستضافة أجنة لأزواج عاجزين عن الإنجاب ، وتعمل عيادة صغيرة في مستشفى "كيفال" في المدينة على الجمع بين الأزواج العقيمين ونساء من المدينة لحمل مواليدهم ، وفي المقابل يتم توفير الإقامة للأمهات البديلات خلال فترة الحمل وحتى الولادة، كما تقدم لهن الاستشارات النفسية بعد عملية الوضع.
عقد ملكية
ويرجع سر إقبال البعض على تأجير الأرحام بالهند ، أن المركز يقدم خدمة شاملة يجمع فيها بين "الرحم المؤجر" والزوجين اللذين تقتصر مهامهما على تقديم بويضة وسائل التخصيب ، ويتم توقيع اتفاق بين الوالدين والأم البديلة يلتزم فيه الطرف الأول بالتكفل بكافة الأتعاب الطبية بجانب دفع مبلغ محدد كأتعاب، على أن يسلم الطرف الثاني المولود بمجرد ولادته .
ومع ازدهار هذه الصناعة بالهند خلال المشروع تم تأجير الأرحام لقرابة 40 طفلاً لأزواج من كافة أنحاء العالم ، فيما تقبع أكثر من 50 امرأة حاملاً بأطفال لأزواج من الولايات المتحدة ، وتايوان وبريطانيا ، كما ذكرت جريدة "الوطن".
وتدافع الدكتورة ناينا باتيل ، القائمة على المشروع بحجة إنه ذو مغزى لكافة الأطراف المعنية ويخضع لمعايير صارمة قائلة : "إذا سعت امرأة لمساعدة أخرى فلماذا لا نتيح ذلك؟" ، ويشار إلى أن ما تتلقاه الأمهات البديلات نظير تأجير أرحماهن قد يوازي دخولهن على مدى 15 عاماً.
أسهل من التخصيب الصناعي
وها هي "ريتو سودهي" أحد المنتفعات من صفقات التأجير سابقاً تعود من جديد من الولايات المتحدة من أجل طفل ثان ، مشيرة إلى أنها أنفقت 200 ألف دولار على عمليات تخصيب صناعية فاشلة في الولايات المتحدة وأعربت عن استعدادها لإنفاق 80 ألف دولار أخرى لإيجاد أم بديلة قائلة : "نحن يائسون.. فتلك العملية مكلفة مالياً ومعنوياً".
يذكر أن الحكومة أضفت صبغة شرعية على تأجير الأرحام منذ عام 2002 ، وإنها قد تصبح رائدة في مجال مزارع إنتاج الأطفال ، ومن جانب آخر يقول النقاد إن الإجراء يستغل الفئة الفقيرة من نساء البلاد ، التي تعاني من معدل عالي في الوفيات أثناء الولادة، بتأجيرهن بأسعار بخسة لتحمل مشاق ومخاطر الوضع ، هذه التجارة تزدهر رابحة لبعض المراكز الطبية في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية.
تورط المغربيات
كما كشفت تقارير إعلامية مغربية وأخري بإمارة لوكسمبورج عن انتشار ظاهرة "تأجير الأرحام ، ومتورط فيها مغربيات ومسئولون كبار في هذه الإمارة الأوروبية الغنية التي يتجاوز الدخل الفردي بها 66 ألف دولار أمريكي حسب إحصائيات عام 2005 لتكون بذلك الأولي بالعالم ، كما ذكرت جريدة "الراية".
وتتم هذه التجارة عن طريق التخصيب الاصطناعي بحيوانات منوية في أرحام مغربيات أو مهاجرات من بلدان أوروبا الشرقية يتم إغراؤهن بالمال مقابل حمل يتم عبر إخصاب البويضة حتي نهاية فترة الحمل ووضعهن للمولود وتسلم المبلغ المادي المتفق عليه وهو 18 ألف دولار قبل مغادرة هذه الإمارة التي تقع عند الحدود الألمانية الفرنسية البلجيكية المشتركة.
تأجير مقابل 15 ألف جنية
قد يصاب البعض بالاشمئزاز من هذا السلوك الذي يتنافي مع طبيعة البشر في هذه البلاد ، ولكن ماذا لو أن هناك عربيات على استعداد لـتأجير أرحامهن من أجل المال ؟
بالرغم من أن هذه الظواهر غريبة على الدول العربية والإسلامية ، هناك من لديهن الرغبة فى التأجير وهذا ما حدث من عدة سنوات حيث أعربت مصرية عن رغبتها في تأجير رحمها مقابل خمسة عشر ألف جنيه للحمل الواحد ونفقة ثلاثمائة جنيه عن كل شهر حمل !!
وأكدت من خلال موقعها علي الانترنت أنها تتمع بكامل صحتها ، وترغب في تأجير رحمها بهذا المقابل وحددت صفتها بأنها شابة تبلغ التاسعة والعشرين ، وتقيم بالقاهرة وتعرض رحمها لأي امرأة ترغب في الإنجاب ولا تستطيع الحمل واشترطت أن تكون الراغبة في التأجير مصرية أو عربية وليست أجنبية.
كما أشارت إلى أنها لها ولدان يتمتعان بصحة جيدة ، وأنها علي استعداد لنشر كافة تفاصيل وتحاليل وأشعات كانت قد أجرتها علي الرحم للتأكد من خلوها من الأمراض ، وأنها تتمتع بنسبة خصوبة وتبويض عالية جداً بناءً علي شهادات الأطباء.
بلبلة وجدل في مصر
هذه الواقعة أثارت الجدل في مصر منذ سنوات وعلى هذا الأساس قامت هيئة كبار العلماء بالأزهر بحسم قضية استئجار في مصر بتحريمها قطعياً .
وبالرغم من اختلاف الأقاويل إلا أن ظهر من يؤيد تأجير الأرحام وكان أشهرهم عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر الدكتور عبد المعطى بيومي وكانت حجته أن الإسلام يعالج كل حاجات البشر ولا شيء يمنع من الاستفادة من الدين والعالم معاً ، وأكد أن تأجير الأرحام يجوز بالنسبة للزوجين فقط ، لكنه غير جائز حال استخدام هذه الرخصة الشرعية بهدف التجارة ، ويذكر أن فتواه اعقبها بيان موقع من جبهة علماء الأزهر وهي "هيئة حلتها وزارة الشئون الاجتماعية منذ فترة" بتكفيره وإهدار دمه من قبل 12 عالم دين .
ودفاعاً عن موقفه أكد عبد المعطي في ندوة أن فتواه كانت اجتهادا هدف إلى حل مشكلة آلاف النساء بالاستفادة من العلم دون المس بثوابت الدين.
لذا فقد قرر مجلس مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بالإجماع يوم الجمعة بتاريخ "30/3/2001" بتحريم استخدام رحم امرأة أجنبية لوضع بويضة ملقحة من زوج وزوجة مؤكدا أن ذلك حرام سواء أكان الموضوع في رحم المرأة منيا أو بويضة أو جنينا.
وأفتي مفتي الديار المصرية د.على جمعة بأن تأجير الأرحام محرم شرعاً وغير جائز في جميع الحالات لأن مخاطره أكثر من منافعه، وهناك قاعدة شرعية تقول إن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع ، وأن هذا الأمر يدخل الناس في دوامة الشك خاصة أن بعض الأطباء قالوا بأن الطفل قد يكتسب صفات وراثية من الرحم الذي نشأ فيه.
انعكاسات تهدد المجتمع
وتشير د. إيمان عبد الله إسماعيل الباحثة في شؤون الأسرة ورئيسة مؤتمر المرأة الثقافي العالمي إلى أنه : لم يحدث هذا على أرض عربية ، ومن هذا المنطلق تبدو هذه الظاهرة خطيرة لما يكتنفها من نتائج تبدأ من انها غير مأمونة ، كما ان لها انعكاساتها الاجتماعية الخطيرة بداية من التشكيك في النسب إلى الصراعات القانونية التي تهدد سلامة المجتمع وترابطه الاجتماعي الذي يميزه عن غيره من المجتمعات "، كما ذكرت جريدة "الخليج".
وتؤكد د. إيمان أن الحمل يجب أن يتم بالشكل المطلوب حيث ينحصر في الزوجين فقط دون تدخل ثالث في هذه العملية ، وتقصد ان هذا الثالث بشر رجلاً كان أو امرأة وليس تقنية طبية كأطفال الأنابيب التي أجازها العلماء ، وعلى الإعلام ورجال الدين مسؤولية شرح حكمة الفتوى بالتحريم وعدم الاكتفاء فقط بأنها حرام ، على المراكز الإسلامية حول العالم مسؤولية توعية المرأة المسلمة وغير العربية بمثل هذه القضايا.
وعن تأجير الأرحام يوضح دكتور الحرجان أستاذ الطب النفسي أن هذا الطفل سيكون ضحية لتصرفات المجتمع من حوله الذي لن يتقبله بسهولة ، بل ستطارده الأسئلة عن شعوره تجاه أمين ، وإلى أيهما يميل ما ينعكس سلباً عليه وسيكون معرضاً للانطواء والاكتئاب دون ذنب اقترفه، كما أن القضايا القانونية وإشكالاتها ستكون حاضرة بلا شك، بداية من إنكار وإثبات النسب إلى الصراعات حول الميراث، وسيكون هذا الابن حاضراً بها .
وينصح د. الحرجان بعدم الإقدام على هذه العملية أياً كانت الأسباب ليس فقط على المستوى النفسي بل الأخلاقي أيضاً، فلهذا الطفل حقوق أساسية يجب مراعاتها.
من وجهة نظركم هل تأجير المنافع حل لمشكلة العقم ، أم أنه تحايل علي الشرع ؟
الموضوع الاصلي
من اوائل البرامج