الدليل الكامل عن دعامات الشرايين القلبية
عندما يكون لعضو في الجسم هذا الشأن من الأهمية بالنسبة لسلامة حياة الإنسان، فإن الاطلاع والمعرفة عن جوانب عمله ووقايته من الأمراض وكيفية معالجتها، هو استثمار جيد لوقت القراءة ولجهد إعمال الذهن في الفهم والاستيعاب، ذلك أن من الممكن جداً أن يحتاج أحد ممن حولنا إلى معرفتنا تلك حول القلب في تسهيل التواصل مع أطباء القلب المُعالجين وإدراك معنى وأهمية خطواتهم العلاجية، أو الوقائية، التي يقترحون القيام بها خدمة لمرضاهم المنتشرين في كل مكان.
أمراض شرايين القلب
وما أصبح من العبارات شائعة الذكر مُصطلح «قسطرة القلب» و«توسيع الشريان القلبي» و«الدعّامات المعدنية» وغيرها من تلك التي تتحدث عن وسائل معالجة المرض الأكثر انتشاراً في العالم، والأعلى في التسبب بالوفيات فيه، ألا وهو مرض شرايين القلب التاجية.
ولأن الشيء بالشيء يُذكر، فإن القلب الذي لا يهدأ أبداً عن القيام بحركتي الانقباض والانبساط طوال حياة الإنسان، هو نفسه الذي طبّه، أي طب القلب، لا يهدأ في محاولات توفير المزيد والأفضل من الوسائل الناجعة لمعالجة أمراض القلب، والناجحة في الوقاية منها.
والتوسيع بالبالون Angioplasty وتثبيت الدعامة المعدنية Stent أثناء قسطرة شرايين القلب، هو مما يتوفر كوسيلة لمعالجة التضيّقات التي تنشأ في شرايين القلب، والمُعيقة لجريان الدم من خلالها، لتغذية عضلة القلب نفسه.
وأحد أهم التطورات في إنتاج الدعامات المعدنية تلك، هو تغليفها بمادة دوائية تمنع حصول تضيقات في مكان تثبيت تلك الدعامات داخل الشريان.
وللعلم بالشيء، تُجرى سنوياً في العالم أكثر من مليوني عملية تثبيت دعامة معدنية لأحد الشرايين التاجية المتضيقة.
كما تُجرى عدة أضعاف لهذا الرقم من عمليات قسطرة القلب لفحص الشرايين التاجية. أي أننا نتحدث عن ملايين من الناس الذين خضعوا لعمليات استكشاف حال الشرايين القلبية بالقسطرة.
والكثير منهم احتاج أيضاً إلى عمليات التوسيع بالبالون وتثبيت الدعامة المعدنية، لمعالجة التضيقات فيها. وخلال السنوات القليلة الماضية، طُرحت عدة هواجس، وصلت إلى حد الشكوك، حول مدى أمان استخدام تلك الدعامات المعدنية المغلفة بالدواء Drug-eluting Stent. وخاصة في جانب احتمال تسببها في حصول الجلطات القلبية. وكانت نتائج الدراسات الطبية في هذا الشأن متضاربة، منها ما فنّد تلك الشكوك، ومنها ما أثبتها، ومنها ما أفادنا مزيداً من الفهم لآليات تسببها بالجلطات ووسائل منع حصولها.
الشرايين التاجية
يتم تزويد مناطق عضلة القلب بالدم من خلال ثلاثة شرايين قلبية تاجية رئيسية. كل واحد منها يتولى توفير تدفق الدم إلى منطقة معينة من مناطق عضلة القلب.
ومعلوم أن كلمة عضلة القلب تعني الجدران العضلية المكونة لحجرات القلب الأربع، وهي البطين الأيسر والبطين الأيمن والأذين الأيسر والأذين الأيمن.
وحينما يرتفع كولسترول الدم، من النوع الخفيف الضار، أو في حال وجود ارتفاع في ضغط الدم، أو مرض السكري، أو التدخين، أو السمنة، أو ارتفاع الدهون الثلاثية، فإن الاحتمالات ترتفع لحصول ترسبات للكولسترول داخل جدران الشرايين.
ومع توالي تكرار عمليات ترسيب الكولسترول هذه، تنشأ كتل دهنية في جدران الشرايين. ووجود التضيقات في الشرايين القلبية، يُؤدي إلى إما نقص في جريان الدم من خلال الشريان، أو إلى سد تام لتدفق الدم من خلاله.
وحينما يكون هناك مجرد ضيق في أحد المواضع من شريان قلبي ما، أو وجود عدة تضيقات فيه، فإن كمية الدم الواصلة إلى المنطقة التي يُغذيها ذلك الشريان من عضلة القلب، تتدني.
أي أن إمداد المنطقة العضلية تلك بكمية الأوكسجين وبالغذاء، لا يكفي لسد حاجتها كي تعمل بكفاءة. وبالتالي تبدأ تلك المنطقة العضلية بالشكوى.
ووسيلة تعبيرها عن شكواها هي الأنين بالألم، الذي يُحس به المريض في أجزاء منطقة الصدر. وهذا الألم القلبي هو ما يُسمى بألم الذبحة الصدرية. وأهم مميزات هذا الألم أنه يظهر عند بذل مجهود بدني أو عاطفي، ويزول بالراحة أو بتناول أحد الأدوية الموسعة للشرايين.
أما حين حصول سد تام لمجرى أحد الشرايين القلبية، فإن تدفق الدم خلال ذلك الشريان يتوقف تماماً.
وبالتالي تنقطع بشكل كلي التروية بالدم للمنطقة التي يُغذيها ذلك الشريان من عضلة القلب. وحينئذ تحصل حالة «الجلطة القلبية، أو النوبة القلبية». والتي تظهر علاماتها المرضية كألم شديد في الصدر، في غالب الأحوال.
وأهم مميزات هذا الألم، للتفريق بينه وبين ألم الذبحة الصدرية، أنه يستمر حتى مع الراحة، ولمدة تتجاوز ربع ساعة.
توسيع ضيق الشريان
ولأسباب عدة، يلجأ طبيب القلب إلى خيار توسيع ضيق الشريان التاجي القلبي خلال عملية قسطرة شرايين القلب.
وما يُجرى هو الدخول من خلال شريان الفخذ، إلى منطقة الشرايين التاجية في القلب، باستخدام أنبوب القسطرة الرفيع والطويل. وفي داخل مقدمة الأنبوب يُوجد بالون صغير منكمش على نفسه وفارغ من الهواء، أي غير منفوخ. وعبر طرق دقيقة، وتحت مشاهدة صور الأشعة السينية التلفزيونية لمادة ذات صبغة ملونة، يُوصل هذا البالون إلى داخل الشريان التاجي، وفي منطقة التضيق بالذات.
وهنا يتم نفخ البالون الصغير، والقوي الجدران، لكي يدفع إلى الخارج كتلة الدهون المتسببة بوجود الضيق.
ثم يتم شفط الهواء من البالون لكي يتم إخراجه من الشريان التاجي إلى الشريان الأبهر الكبير. ويتفحص الطبيب نتيجة نفخ البالون وتوسيع الشريان، بأخذ صور الأشعة لجريان مادة ملونة خلال الشريان الذي تم للتو العمل على توسيع مجراه.
وحينما يطمئن طبيب القلب إلى أن المجرى الداخلي للشريان تحسّن، وبإمكان الدم المرور بحرية أفضل عبر المنطقة التي كانت مُتضيقة، فإنه يعمد إلى إدخال دعامة معدنية منكمشة أيضاً على نفسها. وفي باطن الدعامة المعدنية، وعلى طولها، يُوجد أيضاً بالون آخر، غير البالون الذي تم استخدامه في التوسيع الأولي لمنطقة التضيق.
وعندما يتأكد الطبيب من أن الدعامة موضوعة في المنطقة المُراد تثبيتها فيها، يقوم بنفخ البالون، كي تتمدد الدعامة وتُصبح شبكة أنبوبية لتُبطن جدران الشريان من الداخل.
وهذه الخطوات البسيطة في شرحها، هي في الواقع دقيقة وحساسة جداً، وتتطلب مهارة من الطبيب لإتمامها بنجاح. ويقوم الطبيب مرة أخرى بإجراء فحص تقييم مدى متانة ثبوت الدعامة المعدنية داخل الشريان، بأخذ صور الأشعة السينية للمادة الصبغية الملونة خلال حقنها وجريناها خلال الشريان التاجي الذي يُجرى العمل في إصلاحه ومعالجته.
تثبيت الدعامة وما بعدها
ولأن اجراء التوسيع محتمل مرة أخرى، بعد بعض الوقت لدى نسبة مهمة من المرضى، فإن أطباء القلب اهتدوا لطريقة تُقلل من احتمال عودة الضيق.
وذلك بإدخال شبكة معدنية أسطوانية، أي كأنبوب قصير، إلى المنطقة التي تم توسيعها بالبالون، والعمل على تثبيتها داخل مجرى الشريان لكي تكون تلك الشبكة المعدنية بطانة تدعم الحفاظ على اتساع المجرى الداخلي للشريان القلبي.
وبالتالي تتدنى احتمالات عودة نشوء تضيقات جديدة فيه. أي أن تثبيت الدعامة المعدنية داخل الشريان، وفي المنطقة المريضة منه، هو وسيلة لتقليل احتمالات عودة التضيق في تلك المنطقة.
وتظل الدعامة المعدنية داخل الشريان، كبطانة تضمن تدفق جريان الدم، طوال عمر الإنسان. و«عودة التضيق» restenosis في منطقة التوسيع بالبالون أحد أهم المُضاعفات المتوقعة الحصول لدى حوالي أربعين بالمائة ممن تُجرى لهم تلك العملية.
وذلك غالباً خلال الستة أشهر الأولى بعدها. وعند تركيب الدعامة المعدنية، بعد التوسيع بالبالون، فإن احتمالات حصول ذلك تقل إلى حوالي عشرين بالمائة. أما عند تثبيت نوعية الدعامة المعدنية المُغلفة بالدواء، فإن الاحتمالات تتدنى إلى أقل من عشرة بالمائة.
ندبة «عودة التضيق»
وحالة «عودة التضيق» ليس المقصود منها إعادة ترسب وتراكم الكوليسترول في المنطقة التي إما أنه تم توسيعها بالبالون فقط أو تم توسيعها بالبالون وثُبتت الدعامة فيها. ولكن المقصود هو نمو نسيج ضام جديد في الموضع الذي تم شد وتوسيع جدران الشريان فيه.
والحقيقة أن حالة «عودة التضيق» مرض جديد، لم تعرفه البشرية من قبل اختراق عملية توسيع الشريان المتضيق بالبالون.
وهو عبارة عن ندبة Scar tissue تتكون في منطقة التوسيع الداخلي للشريان. وللتقريب فإن أحدنا إذا ما جُرح جلده، فإن عملية الالتئام تتطلب تكوين كتلة من النسيج الضام لتلحيم القطع في الجلد. ويختلف الناس في كمية هذا النسيج.
وهناك ناس تلتئم جروحهم وتكون كتلة الندبة بسيطة، بحيث لا يرتفع مستوى الندبة عن مستوى بقية الجلد. وهناك ناس آخرون، كما لدى ذوي البشرة الداكنة والسوداء، يحصل تكوين كتلة كبيرة من النسيج الضام للندبة. ولذا نلحظ عليهم أن ندبات جروح الجلد تترك خطاً بارزاً بالنسبة لمستوى سطح الجلد.
وما يحصل في داخل الشريان عند توسيع البالون هو تهتك داخلي للشريان. وهذا التهتك، وليس الشرخ، لازم لتوسيع الشريان. وكتفاعل من أنسجة بطانة الشريان على هذا التهتك الداخلي، يحصل لدى البعض نمو نسيج ضام قوي، بالمقارنة مع كتلة الكوليسترول الدهنية الضعيفة حينما تكون خالية من ترسبات الكالسيوم.
ويتفاوت الناس في حجم تفاعل تكوين هذا النسيج الضام للندبة في بطانة المنطقة التي تم توسيعها من الشريان أثناء عملية التوسيع. ولا يُمكن في الغالب توقع مقدار الضيق الذي سينشأ نتيجة لنمو الندبة الداخلية.
ولذا نجد بعض المرضى لا تحصل لديهم «عودة التضيق»، لأن كتلة الندبة خفيفة. بينما آخرون تحصل لديهم حالة حقيقية من «عودة التضيق» لدرجة سد مجرى الشريان أو إعاقة جريان الدم من خلاله.
ووسيلة معرفة ما إذا نشأت حالة «عودة التضيق» بصفة مؤثرة، هو إما شكوى المريض من عودة الألم للذبحة الصدرية كما كان في السابق، أي قبل التوسيع. أو بإجراء اختبار جهد القلب، لتبين ما إذا كان ثمة إعاقة لجريان الدم وتدفقه، من خلال الشريان، عند بذل الجهد البدني.
الموضوع الاصلي
من اوائل البرامج