تثبتوا وتحققوا قبل ان تصدروا حكما على غيركم
هذه مادة في النهي عن عدم التثبت وسؤ الظن بالآخرين جمعتها لكم وأرجو أن تستفيدوا منها وتطبقوها في حياتكم حتى لا تخسروا من غلا وعزّ عليكم من الناس ولا هم يخسرونكم ......
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }الحجرات6
وقال ايضا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ }الحجرات12
نعم فتبينوا ... حتى لا تصبحوا نادمين ....
تبينوا حتى لا تصبحوا ظالمين لغيركم بحكمكم عليهم بدون التبين والتثبت ... فتصبحوا نادمين
تبينوا حتى لا تصيبوا قوما بجهاله .... فتصبحوا على ما فعلتم نادمين
تبينوا حتى لا يسئ ظنكم .... وان بعض الظن إثم .... فتصبحوا نادمين
وان لم يصبك الندم في الدنيا فسيُصيبك الندم في الآخرة
فكثير ما نقع في أخطاء٫ ونحكم على الناس دون التثبت مما قيل عنهم أو قيل على لسانهم وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم من الاتهام دون التبين.
و إذا كان الوحي الذي يكشف المنافقين والكاذبين قد انقطع ، فإن الضوابط الشرعية والأصول الإسلامية للتبين والتثبت لم تنقطع ، وما أحوج الناس الآن أن يتدبروها ويتخلقوا بها.
ويحكي لنا القرآن الكريم عن قصة نبي الله سليمان مع جند من جنوده وهو طير الهدهد ، وكان مقرباً إلى سليمان عليه السلام فتـفقده يوم من الأيام بين الجيش ، فمكث غير بعيد ولم ينظر إلا قليلاً فقال له الهدهد (أحطت بما لم تحط وجئتك من سبأ بنبأ يقين )
فقال له الخبر وقصة بلقيس مع قومها ...فجاءه الهدهد وهو متيقن مما قاله ، فرد عليه سليمان (قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين )
أي سنبحث في الأمر لعلك تكون كذبت أو لعلك أخطأت أو لعلك وهمت ولعل الذي قال الكلام لم يكن ثقة ولعل في الأمر التباس ....
وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم ينقل اليه خبر بني سلمة ، أي أنهم سينتقلون من بيوتهم وسيشترون بيوت قريبة من المسجد فجاءهم الرسول صلى الله عليه وسلم وقال : يا بني سلمة
أنه بلغني أنكم ستنقلون قرب المسجد ، قالوا نعم يا رسول الله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بني سلمة درياركم دياركم تكتب لكم آثاركم ...
فلم يتكلم عليهم ولم ينقل لهم النصحية من وراء ظهورهم إلا بعد أن يتثبت لأنه متمثل بقول الله تعالى : (فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)
مخاطر عدم التّـثـبت والتبين ومزالقها
من أول مزالق عدم التثبت سوء الظن، ولذلك يقول الغزالي – رحمه الله -: ليس لك أن تعتقد في غيرك سوءًا إلا إذا انكشف لك بعيان لا يقبل التأويل.
ثم ينحدر الظان إلى مزلق آخر، وهو إشاعة ظنه ذاك،وقد نقل الشوكاني عن مقاتل بن حيان قوله: فإن تكلم بذلك الظن وأبداه أثم.وحكى القرطبي عن أكثر العلماء: أن الظن القبيح بمن ظاهره الخير لا يجوز.
وقال الغزالي: اعلم أن سوء الظن حرام، مثل سوء القول.. فلا يستباح ظن السوء إلا بما يستباح به المال، وهو بعين مشاهدة أو بينة عادلة.
ويقول ابن قدامة رحمه الله: فليس لك أن تظن بالمسلم شرًا إلا إذا انكشف أمر لا يحتمل التأويل، فإن أخبرك بذلك عدل، فمال قلبك إلى تصديقه، كنت معذورًا... ولكن أشار إلى قيد مهم فقال: بل ينبغي أن تبحث هل بينهما عداوة وحسد؟.
ويروى أن سليمان بن عبد الملك قال لرجل: بلغني أنك وقعت فيَّ وقلت كذا وكذا. فقال الرجل: ما فعلت. فقال سليمان: إن الذي أخبرني صادق. فقال الرجل: لا يكون النمام صادقًا. فقال سليمان: صدقت.. اذهب بسلام.
والفطن من يميز بين خبر الفاسق وخبر العدل، ومن يفرق بين خبر عدل عن ندٍ له، أو عمن يحمل له حقدًا، وبين شهادة العدل المبرأة من حظ النفس، ومن يميز بين خبر العدل وظن العدل، والظن لا يغني شيئًا، ومن يفرق بين خبرٍ دافعه التقوى، وخبر غرضه الفضيحة أو التشهير.
والذي لم يتخلق بخلق (التثبت) تجده مبتلى بالحكم على المقاصد والنوايا والقلوب، وذلك مخالف لأصول التثبت.
يقول الشافعي – ووافقه البخاري -: الحكم بين الناس يقع على ما يُسمع من الخصمين، بما لفظوا به، وإن كان يمكن أن يكون في قلوبهم غير ذلك.
ومن أخطر المزالق أن يحسن الأمير الظن برجل من الناس ليس أهلاً للثقة، ثم يكون أسيرًا لأخباره، أُذنًا لأقواله، يصغي إليه ويصدقه.
يقول ابن حجر: المصيبة إنما تدخل على الحاكم المأمون من قبوله قول من لا يوثق به، إذا كان هو حسن الظن به، فيجب عليه أن يتثبت في مثل ذلك.
ومن أصول التثبت ألا يؤخذ أحد بالقرائن، طالما هو ينكر ولا يقر. وشواهد ذلك في السنة كثيرة،
ومنها ما رواه ابن ماجة بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو كنت راجمًا أحدًا بغير بينة، لرجمت فلانة، فقد ظهر فيها الريبة، في منطقها وهيئتها ومن يدخل عليها". ومع ذلك لم يرجمها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها لم تقر، ولم يقذفها بلفظ الزنا.
استمع للطرفين
ولا شك أن من أهم أصول التثبت فيما يُنقل من أخبار: السماع من الطرفين
فقد أخرج أبو داود والنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل عليًّا رضي الله عنه إلى اليمن قاضيًا، فأوصاه: "...فإذا جلس بين يديك الخصمان، فلا تقضين حتى تسمع من الآخر، كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء".
يقول علي رضي الله عنه: "ما شككت في قضاء بعد" ، فكان الصواب حليفة بالتثبت، وكم زلّت أقدام، ووقعت فتن بسبب عدم التثبت!! يقول الشوكاني: الخطأ ممن لم يتبين الأمر، ولم يتثبت فيه، هو الغالب، وهو جهالة.
وكم تجد من الناس من يسارع للشهادة على أمر لم يفقهه، في حق امرئ لا يعرفه!!
ولذلك أفتى الحسن البصري تحريًا للتثبت: لا تشهد على وصية حتى تُقرأ عليك، ولا تشهد على من لا تعرف.
لا تتسرع في الحكم
وليس من خلق المتثبت التسرع والعجلة، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أرسل خالدًا رضي الله عنه للتحقق من عداوة بني المصطلق "أمره أن يتثبت ولا يعجل". ولما أرسله إلى بني جذيمة للتحقق من إسلامهم فتعجل في القتل. قال صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أبرا إليك مما صنع خالد" [رواه البخاري].
بل إن مما ذكر القاضي شهاب الدين الشافعي في كتابه "آداب القضاء": وعليه – إن لم يتضح له الحق – تأخير الحكم إلى أن يتضح..
قال الشوكاني في تفسيره لقول الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ): ومن التثبت: الأناة وعدم العجلة، والتبصر في الأمر الواقع، والخبر الوارد، حتى يتضح ويظهر.
هل هذا من التثبت؟
وكثيرًا ما يُتهم شخص بتهمة فينفيها، أو يبين عذره فيها، ثم يستمر الحديث عنه والتحذير منه، فهل هذا من التثبت؟! إن حاطب بن أبي بلتعة حين صدر منه إفشاء سر النبي صلى الله عليه وسلم، طلب عمر أن تقطع عنقه، غير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استمع إليه، حتى إذا انتهى قال: "صدق، لا تقولوا له إلا خيرًا" [رواه البخاري].
وكل مسلم ظاهره الصلاح صادق ولا نقول له إلا خيرًا.. وإلا فإن الاتهام بغير تثبت سبب في كثير من المظالم،
ولذلك كتب عمر بن عبد العزيز إلى أحد أمرائه – عدي بن أرطأة أمير البصرة – في قتيل وُجد عند بيت ولم يُعرف قاتله: "إن وجد أصحابه بينة، وإلا فلا تظلم الناس، فإن هذا لا يقضى فيه إلى يوم القيامة" [رواه البخاري].
بل جاء في الحديث: "لو يعطى الناس بدعواهم، لادعى الناس دماء رجال وأموالهم".
وإن الواحد من الصحابة على عدالته كان يُطالب – في الخصومات – بإحضار شهود أو الإدلاء ببينات، أو القسم، ولم تكن عدالته لتشفع له في استقطاع شيء من حقوق الناس، أو مس أعراضهم. وقد اشترط الشرع البينة دفعًا للاتهامات الرخيصة – غير المسؤولة – لئلا يبادر أحد إلى اتهام أحد إلا عن يقين؛
ولذلك حين قُتل صحابي وجد بين بيوت اليهود في خيبر، اتهم أصحابه اليهود في قتله، فطالبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبينة: قالوا: مالنا بينة. قال: فيحلفون. قال: لا نرضى بأيمان اليهود. فاضطر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفع ديته مائة من الإبل، ولم يتهم اليهود بلا بينة.
ولم يجعل الشرع لفاقد البينة إلا يمين خصمه – ولو كان الخصم غير ثقة عند المدعي – ويؤيد ذلك ما رواه مسلم في قصة الحضرمي المدعي على كندي؛ بأنه غصبه أرضه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحضرمي: "ألك بينة؟" قال : لا. قال:"فلك يمينه" قال: يا رسول الله إن الرجل فاجر، لا يبالي على ما حلف عليه، وليس يتورع من شيء. فقال: "ليس لك منه إلا ذلك" [فتح الباري].
ولم يعترض رسول الله صلى الله عليه وسلم على اتهام الرجل لخصمه بعدم التورع في الحلف؛ لأنه من كلام الخصوم بعضهم في بعض – كما بوّب البخاري في الخصومات – وعقب ابن حجر بقوله: أي فيما لا يوجب حدًّا ولا تعزيرًا فلا يكون ذلك من الغيبة المحرمة. كما قال ابن حجر: يمين الفاجر تسقط عنه الدعوى... ولولا ذلك لم يكن لليمين معنى.
لا تستمع للنمام
وإن من التثبت: أن ترفض الاستماع إلى النمام، فقد جاء في مسند أحمد: "لا يبلغني أحدٌ عن أحد من أصحابي شيئًا، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر" .
فلا تجعلوا بطانتكم من النمّامين، فإن من وشى إليكم اليوم يشي بكم غدًا، ومثله ليس أهلاً للثقة – لفسقه بالنميمة –
وفي ذلك يقول ابن قدامة المقدسي: لا تصدّق الناقل؛ لأن النمام فاسق، والفاسق مردود الشهادة.
فإن ركنتم إلى النمامين وأصبتم إخوانكم بجهالة فلا تنسوا أن تصبحوا على ما فعلتم نادمين.
فكم من كلام صدر من أُناس أو نُقل عنهم وأسأنا الظن في هذا الكلام ولم نعلم من الذي تكلم وما هو مقصوده من الكلام وما هو غرضه من الكلام خصوصا إذا لم يكن وجها لوجه حيث أن المتكلم مغيبا عنا أو بعيد عنا لسبب ما أو لآخر أو بطريقة ما أو بأخرى .... فمن الذوق
أن نتأكد ولا نحكم إلا بالبيّنة والدليل القاطع حتى لا يخسر بعضنا البعض فنُــحرم الخير الكثير والصداقة أو الأخوة أو القرابة .
فربما تخسر شخص غالي بمجرد الظن وعدم التثبت فحرام تهدم العلاقات بمجرد ظن او عدم تثبّت ... حرام ...حرام ..
لا حرمنا الله من غلا أو من عزّ علينا آمين يارب العالمين
الموضوع الاصلي
من اوائل البرامج